الأحد، 3 فبراير 2013

تعليقات على الفصل 20


تعليقات على الفصل 20

"  إذا أخفقنا في توقع المستقبل أو توقع ما لا يمكن توقعه في كون لا محدود في إمكانياته , فقد نجد أنفسنا تحت رحمة أي شخص أو أي شـئ لا يمكن برمجته أو تصنيفه أو الإشارة إليه بسهولة " .
_العميل " فوكس مولدر  "
مسلسل " إكس فايلز  "
 
أولا لا تخسر

ما المخاطرة ؟ سوف تحصل على إجابات مختلفة تعتمد على من تسأله ومتى . ففي عام 1999 لم تكن المخاطرة تعني خسارة المال , بل كانت تعني أن تجني مقدارا أقل من المال عن أي شخص آخر . وكان جل ما يخشاه العديد من الأشخاص هو أن يقابلوا مصادفة في حفل شواء شخصا أغنى أو يزداد ثراء بمرور الوقت من خلال التداول اليومي لأسهم التكنولوجيا أكثر منهم . ثم فجأة و على حين غرة في عام 2003 أصبحت المخاطرة , أن سوق الأسهم قد تواصل تدهورها حتى تذهب بكل ما تبقى في حوزتك من ثروة .
وبينما يبدو معناها متقلبا ومتذبذبا مثل الأسواق المالية نفسها , فإن المخاطرة تتوافر فيها بعض السمات العميقة والدائمة . أن الأشخاص الذين يقومون بمقامرات ضخمة ويحققون أضخم المكاسب و في سوق المضاربة على الصعود يكونون الأكثر عرضة للأذى و في سوق المضاربة على الهبوط التي لا مناص من أن تتبعها .  (  أن كونهم على " صواب " يجعل المضاربين أشد ميلا لتحمل المزيد من المخاطرة عندما يستعيدوا ثقتهم في أنفسهم  )  . و ما أن تخسر مبلغا كبيرا من المال حينئذ يتحتم عليك المقامرة بصورة أكبر لكي تعود فقط إلى النقطة التي كنت تقف عندها , مثل حلبة السباق أو المقامر الذي يضاعف رهانه في كل مرة يخسر فيها رهانا . و ما لم تكن محظوظا للغاية فهذه وصفة لأن تواجه الويل والثبور وعظائم الأمور . لا غرو إذن عندما سئل رجل المال الأسطوري " جاى كاى كلينجشتاين " أن يلخص كل ما تعلمه و في مشواره الطويل حول كيفية تحقيق الثراء أجاب ببساطة قائلا : "  "  لا تخسر  " 1 ويوضح الرسم البياني التالي ما عناه بقوله هذا الشكل  (  20 - 1 )  .

الشكل 20 – 1

تكلفة الخسارة


1 كما روى المستشار الاستثماري " تشارلز إليس " في مقال " جاسون زفايج " في مجلة " Money " عدد يونيه 2001 الصفحات 49 – 52 . بعنوان  " Wall Street's Wisest Man " .



تخيل أنك عثرت على سهم تظن أنه يمكن أن يحقق نموا يصل إلى 10% سنويا حتى و إن بلغ معدل نمو السوق إلى 5% سنويا . ولسوء الحظ يشتعل حماسك لدرجة تجعلك تدفع ثمنا باهظا مقابله / ثم يخسر السهم 50% من قيمته خلال العام الأول . وحتى إذا حقق السهم ضعف عائد السوق فسوف يستغرق مالك ستة عشر عاما للتغلب على عوائد السوق – و ذلك لأنك ببساطة دفعت ثمنا باهظا للغاية في البداية وخسرت كثيرا أيضا .
إن خسارة بعض المال أمر لا مفر منه في عالم الاستثمار , و لا يمكنك أن تصنع شيئا للحيلولة دون وقوع ذلك . و لكن كونك مستثمرا ذكيا عليك تحمل مسئولية ضمان عدم خسارة أغلب أموالك أو جميعها . أن إلهة الثورة في الأساطير الهندية عادة ما يتم تصويرها وهي تقف على أخمص قدمها مستعدة لأن تثب من مكانها في طرفة عين . و لكن للحفاظ عليها واقفة في مكانها من الناحية الرمزية فإن بعضا من أتباعها المخلصين سوف يقيدونها إلى الأرض بالأربطة أو يثبتون أقدامها في الأرض بالمسامير . وبالنسبة للمستثمر الذكي فإن " هامش الأمان " الذي تحدث عنه " جراهام " يؤدي نفس هذه المهمة : فمن خلال رفضك دفع ثمنا باهظا مقابل أي استثمار , فإنك تقلل من فرص اختفاء ثروتك أو ضياعها فجأة .
وعليك التفكير في المثال التالي : خلال الفترات ربع السنوية التي تنتهي في ديسمبر عام 1999 حققت شركة " جاى دي إس سي يونيفيز " المتخصصة في تصنيع الألياف البصرية , صافي مبيعات يقدر بــ 673 مليون دولاراً خسرت منها 313 مليون دولاراً . و مع ذلك , ففي السابع من مارس عام 2000 بلغ سعر سهمها 153 دولارا مما منح الشركة إجمالي قيمة سوقية يقدر بــ 143 مليار دولاراً تقريبا 2 , و لكن شأنها شأن غالبية أسهم  " العصر الجديد " انهارت . وأي شخص اشترى تلك الأسهم في ذلك اليوم وتمسك بها في نهاية عام 2002 واجه تلك الاحتمالات :
إذا قمت بشراء سهم شركة " جاى دي إس سي يونيفيز " عندما بلغ سعر الذروة عند 153,421 دولاراً في 7 مارس عام 2000 واحتفظت به إلى نهاية عام 2002  (  عندما بلغ سعر إغلاقه 2,47 دولاراً  )  كم تستغرق من الوقت حتى تعود إلى سعر الشراء في ظل متوسط المعدلات السنوية للعائد ؟ وحتى إذا تحقق عائد سنوي قوي يصل إلى 10% فسوف يستغرق تحقيق التعادل مع سعر الشراء المبالغ فيه ثلاثة وأربعين عاما !

2 تم تعديل سعر سهم شركة " جاى دي إس سي يونيفيز "  لتتلاءم مع عمليات التقسيم التي ستتم فيما بعد
الشكل 20 – 2
التعادل أمر صعب المنال
 عدد السنوات

إن المخاطرة ليست في أسهمنا و لكن في أنفسنا
إن المخاطرة قائمة في بعد آخر تماما : أنها موجودة بداخلك أنت . فإذا بالغت في تقدير كيفية فهمك للاستثمار أو بالغت في تقدير قدرتك على التغلب على هبوط مؤقت في الأسعار فلا أهمية لما تملكه أو ما يفعله السوق زفي النهاية فإن المخاطرة المالية لا تكمن في أنواع الاستثمارات التي تملكها , و لكن تكمن في أي نوع من المستثمرين أنت .و إذا كنت ترغب في معرفة جوهر المخاطرة حقا فاذهب إلى أقرب حمام وانظر في المرآة , فتلك هي المخاطرة تحدق إليك من المرآة .
وأثناء نظرك إلى نفسك في المرآة فما الذي يجب أن تبجث عنه ؟ أن الطبيب النفسي الحائز جائزة نوبل " دانيال كانيمان " يشير إلى زجزد عاملين يميزان القرارات الجيدة :
الثقة التي في محلها . (  هل أفهم هذا الاستثمار حقا كما أعتقد أني أفهمه ؟  )

توقع الندم  (  ماذا سأفعل إذا ما اتضح أن تحليلي خاطئ ؟  )



لمعرفة ما إذا كانت ثقتك في محلها انظر في المرآة وأسأل نفسك " ما هي احتمالات أن يكون تحليلي صحيحا ؟ " فكر جيدا في الأمر من خلال تلك الأسئلة :
ما مقدار الخبرة التي امتلكها ؟ ما سجلي مع قرارات مماثلة في الماضي ؟
ما سجل الأشخاص الآخرين الذين حاولوا القيام بهذا الأمر في الماضي ؟
إذا كنت أنا أقوم بالشراء فهناك شخص آخر يقوم بالبيع , فما احتمالات معرفتي بشئ لا يعرفه الشخص الآخر  (  أو الشركة  )  ؟
هل قمت بحساب مقدار الإرتفاع الذي يجب أن يصل إليه هذا الاستثمار لتحقيق التعادل مع الثمن الذي دفع فيه , و ذلك بعد حساب الضرائب وتكاليف التداول ؟


ما من أحد حاول جاهدا الإجابة عن هذا السؤال وتقبل النتائج بأمانة يقوم بتداول الأسهم التي تطرح للتداول العام يوميا أو يشتريها .


بعد ذلك , أنظر في المرآة لكي تكتشف ما إذا كنت ذلك النوع من الأشخاص الذي توقع حدوث ندم على نحو صحيح أم لا . ويجب أن تسأل نفسك قائلا : " هل أعي جيدا العواقب التي سوف تنجم إذا ما أخطأت في تحليلاتي ؟ " عليك الإجابة عن هذا السؤال من خلال وضع تلك النقاط في الحسبان : -

إذا كنت على صواب فإنني أستطيع تحقيق الثراء , و لكن ماذا إذا كنت مخطئا ؟ فبناء على الأداء التاريخي للاستثمارات المماثلة , فما مقدار الخسارة التي قد أتكبدها ؟
هل لدي استثمارات أخرى سوف توفر لي الدعم إذا نا اتضح أن قراري خاطئا ؟ هل لدي أسهم  أو سندات أو أموال لها سجل أكيد في الإرتفاع عندما تهبط قيمة الاستثمار الذي أفكر في إقامته ؟ هل أخاطر بقدر هائل من رأس مالي بالدخول في هذا الاستثمار ؟
عندما أقول لنفسي " أنني أملك قدرة على تحمل المخاطرة " فكيف لي أن أعرف ذلك ؟ هل فقدت من قبل قدرا هائلا من المال في أحد الاستثمارات ؟ ماذا كان شعوري ؟ هل اشتريت المزيد أم انسحبت .
هل اعتمد على قوة ارادتي وحدها لكي أمنع نفسي من الإصابة بالذعر في التوقيت الخاطئ ؟ أم أنني سيطرت على سلوكي مسبقا عن طريق التنويع والتوقيع على عقد استثماري ومراعاة توسيط التكلفة ؟

ويجب عليك أن تتذكر دائما , على حد قول العالم النفسي " بول سلوفيك " أن " المخاطرة تتكون من عنصرين أساسيين _ الاحتمالات والعواقب " وقبل أن تقوم بعملية الاستثمار عليك التأكد أولا من أنك قمت بتقييم احتمالات كونك على صواب بصورة واقعية وكيف سيكون رد فعلك إذا ما اتضح أنك مخطأ .




إن فيلسوف الاستثمار " بيتر بيرنشتاين " لديه أسلوب آخر لتلخيص الأمر و هو يلخصه في ما يلي : - " عندما تتخذ قراراتك في ظل ظروف يسودها الشك فإن العواقب تسيطر على الاحتمالات , فلا أحد يعلم شيئا عن المستقبل " وهكذا وكما ظل " جراهام " يذكرنا في كل فصل من فصول الكتاب , لا ينبغي على المستثمر الذكي التركيز على القيام بالتحليلات الصحيحة فحسب و لكن عليه أن يتخذ احتياطه في حالة ما إذا اتضح له خطأها - وحتى أفضل التحلبلات قد تفتقر إلى الصواب على الأقل لبعض الوقت , أن احتمالات وقوعك في الخطأ في مرحلة معينة و في حياتك الاستثمارية تصل إلى 100% , وهذه ظروف تكون خارجة على إرادتك تماما . و مع هذا فإنك تسيطر على عواقب وقوعك في الخطأ . أن العديد من المستثمرين وضعوا كل أموالهم في أسهم  شركات التكنولوجيا والإنترنت عام 1999 . و لقد توصل الاستطلاع الذي أجرته مجلة " Money " عام 1999 وشمل 1338 أمريكيا إلى أن ما يقرب من عشر هذا العدد وضعوا 85% من أموالهم في أسهم  الإنترنت . وبتجاهلهم لتحذير " جراهام " وعندما دعى إلى ضرورة وجود هامش أمان فإنهم جانبوا الصواب هؤلاء ولثقتهم في أنهم كانوا على دراية باحتمالات كونهم على صواب , فإنهم لم يحركوا ساكنا لحماية أنفسهم من كونهم على خطأ .
وببساطة إذا ما جعلت ممتلكاتك من الإصدارات متنوعة للأبد , ورفضت أن تغامر بأموالك باستثمارها في أحدث صيحة من أسهم  السيد " سوق " وأكثرهم جنونا , عندئذ تضمن إلا تكون عواقب أخطاءك وخيمة . ومهما ألقى السيد " سوق " إليك يمكن أن تكون دائما وبمنتهى الثقة " هذا أيضا سوف يمر " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق