الأحد، 3 فبراير 2013

الفصل 5 المستثمر لمتحفظ والأسهم العادية


الفصل 5
المستثمر لمتحفظ والأسهم العادية
المميزات الاستثماية للأسهم العادية
أثناء صدور الطبعة الأولى من الكتاب  ( عام1949 )  اتضح لنا أنه ينبغى علينا أن نتناول بالتفصيل تخصيص جانب كبير من أية حافظة استثمارية للأسهم العادية  . فلقد كان ينظر إلى الأسهم العادية على أنها تنطوى على قدر كبير من المخاطرة ، و من ثم تفتقر لعامل الأمان . ورغم تدنى أسعارها عما كانت عليه في عام 1949، إلا أن أسعارها المعقولة لم تجتذب المستثمرين ، بل كان لهذا التدنى أثر مناقض تماماً تمثل في إضعاف ثقة الناس فيها. و لقد علقنا على هذا الوضع المعكوس الذي استمر طوال العشرين عاماً التالية إلى أن أدى إرتفاع أسعارها إلى جعلها تبدو استثماراً آمناً ومريحاً للغاية لدرجة قد تنطوى على قدر هائل من المخاطرة
ولقد استندت الحججج التى اشرنا إليها في تعليقنا على الأسهم العادية عام 1949 إلى نقطتين جوهريتين : اولهما أنها وفرت أقصى درجات الحماية ضد تآكل قيمتها الدولارية بسبب التضخم، بينما افتقرت السندات لتلك الحماية . وثانياً تمثلت ميزة الأسهم العادية في ارتفعا متوسط عائدها بمرور الوقت. ويعزى السبب في ذلك إلى تحقيق متوسط دخل من التوزيعات يفوق عائد السندات الجيدة، إلى جانب تزايد القيمة السوقية بمرور الزمن بسبب إعادة استثمار الأرباح  غير الموزعة.
وعلى الرغم من الأهمية القصوى لهاتين الميزتين – واللتين جعلتا سجل الأسهم العادية أنصع من نظيره الخاص بالسندات على المدى البعي فيما مضى – أي إننا حذرنا مراراً وتكراراً من أن المستثمر قد يخسرهما أن ابتاع أسهمه بثمن باهظ- و هذا ما حدث تماماً في عام 1929، واستغرق السوق خمسة وعشرين عاماً حتى يعود من حافة الهاوية التى سقط فيها خلال السنوات من عام 1929 إلى عام 1932   . ومنذ عام 1957 فقدت الأسهم العادية ، نظراً لارتفاع سعرها ، ميزتها التقليدية المتمثلة في إرتفاع عائد توزيعات أرباحها عن أسعار فائدة السندات . وسوف تثبت الأيام ما غذا كان عامل التضخم وعامل النمو الاقتصادي سوف يعوضان في المستقبل هذا التطور غير المواتى .
ولابد أن يدرك القارئ أننا لا نشعر بالحماسة للأسهم العادية بصفة عامة وهى عند مستوى 900 نقطة لمؤشر " داوجونز "  في أواخر عام 1971. ولأسباب سبق وذكرناها   ، نرى أن المستثمر المتحفظ لا يستطيع الاستغناء عن وجود نسبة جيدة من الأسهم العادية في حافظته الاستثمارية حتى ولو نظر إليها على أنها أهون الشرين، أما الشر الأكبر فيتمثل في المخاطر الناجمة عن حيازة السندات وحدها.
القواعد الخاصة بعنصر الأسهم العادية
ينبغى أن يكون انتقاء المستثمر المتحفظ لسهمه العادية امراً بسيطاً . ونحن نقترح عليه هن أربع قوعد عليه اتباعها في هذا الصدد:
1. لابد من وجود قدر كاف من التنويع بدون مبالغة أو تهوين . مما قد يعنى وجود عشرة أنواع من الأوراق المالية كحد أدنى، وثلاثين نوعاً كحد أقصى
2. لابد من انتقاء أسهم  اشركات الكبرى البارزة التى تتميز بمتانة مركزها التمويلي . و على الرغم من أن تلك الصفات تتسم بعدم التحديد ، إلا أن مدلولها واضح ومنطقى . وسوف نضيف بعض الملاحظات الخاصة بهذا الشأن في نهاسة هذا الفصل.
3. يجب أن يكون لكل شركة من هذه الشركات باع طويل في دفع مبالغ التوزيعات .  (  وقد استوفت إصدارات مؤشر  " داوجونز "  الصناعى هذا الشرط في عام 1971 ) . ولنكون محددين بهذا الشأن ، نقترح أن يبدأ شرط سريان التوزيع المستمر للأرباح منذ عام 1950 على الأقل
4. يجب أن يضع المستثمر حداً للسعر الذي سوف يدفعه مقابل شراء الورقة المالية ، و ذلك على ضوء متوسط الأرباح  خلال سبعة أعوام على الأقل. لذلك نعتقد أنه من الملائم أن يكون السعر مساوياً لضعف متوسط الأرباح  بـ 25 مرة ، على إلا يتجاوز ضعف قيمة أرباحها التى تحققت خلال السنة الماضية بـ 20 مرة . لكن هذا الشرط قد يستبعد أغلب الشركات الرائجة القوية من الحافظة الاستثمارية ، كما سيلغى تماماً خيار " أسهم  النمو "  التى ظلت تمثل الخيار الأفضل لكل من المضاربين ومؤسسات الاستثمار طوال سنوات مضت . ولابد لنا من توضيح الأسباب التى دعتنا إلى مثل ذلك الاستبعاد المتطرف .
المستثمر المتحفظ والأسهم ذات القيمة المتنامية
يشير مصطلح الأسهم ذات القيمة المتنامية أو " أسهم  النمو "  إلى الأسهم التى زادت أرباحها عن متوسط مكاسب الأسهم العادية في الماضى ، ويتوقع لها أن تستمر في المستقبل  (  تشير بعض السلطات إلى أن الأسهم المتنامية القيمة هى التى يتوقع لها أن تتضاعف أرباحها في ظرف عشر سنوات، أي التى تتزايد بمعدل متراكم يبلغ 7,1% سنوياً  )   مما لا شك فيه أن مثل هذا النوع من الأسهم له جاذبيته من حيث الشراء والحيازة شريطة إلا تكون هناك مبالغ في سعر شرائها . و لكن هذا هو موطن الداء، فقد ظلت أسعارها مرتفعة لفترة طويلة من الزمن، إذا ما قورنت بأرباحها الحالية وبأسعار تبلغ أضعافاً مضاعفة لمتوسط أرباحها. مما أضاف عنصر مضاربة له ثقله الهائل إلى صورة الأسهم المتنامية القيمة وجعل المعاملات الناجحة التى تتم في هذا المجال بعيدة تمام البعد عن اليسر والسهولة .
لقد ظل السهم البارز بين تلك الأسهم متنامية القيمة " سهم شركة إنترناشيونال بيزنس ماشين " الذي ظل يدر أرباحاً استثنائية لكل من اشتراه وتشبث به لسنوات في حوزته . ولكننا أوضحنا سابقاً   أن هذه الفئة الممتازة من فئات الأسهم العادية ، قد خسرت بالفعل 50% من قيمتها السوقية خلال ستة أشهر من إنهيار السوق بين عامي 1961 ، 1962 و لم تتغير تلك النسبة تقريباً ما بين عامي 1969 ، 1970 و لقد تعرضت الأسهم متنامية القيمة الأخرى للمزيد من الظروف المعاكسة ، فلم تقتصر خسارتها في بعض الحالات على تدهور أسعارها فقط ، و إنما تعداها ليطال أرباحها كذلك ، وهكذا تضاعفت خسارة أصحابها ، أما املثال الثانى الذي نسوقه تأييداً لوجهه نظرنا ، فهو مثال شركة " تكساس انسترومنتس "  ، والتى ارتفعت قيمة أسهمها خلال خمس سنوات من 5 إلى 256 بدون دفع توزيعات ، بينما ارتفعت أرباحها من 40 سنتاً إلى 3,91 دولاراً للسهم .  (  ولاحظ أن السعر قد زاد بخمسة أضعاف السرعة التى تتضاعف بها الأرباح، وهذه هي إحدى خصائص الأسهم العادية الرائجة ) . و لكن انخفضت الأرباح  بعدها بعامين بنسبة 50% تقريباً ، كما تدهور سعر السهم لأربعة أخماس سعره السابق، أي ليصل إلى 49 دولاراً  وسيدرك القارئ من هذه الأمثلة ، لماذا نرى أن الأسهم متنامية القيمة ورقة مالية شديدة الخطورة وغير مضمونة بالنسبة للمستثمر المتحفظ. و مما لا شك فيه ،أن بوسع المرء فعل الأعاجيب أن أصاب كبد الحقيقة فيما يقع عليه اختياره من هذه الأسهم واشتراها بأنسب الأسعار ، ثم باعها بعد أن ارتفعت أسعارها بشكل مذهل وقبل أن يصادفه حظ عاثر وتتدهور . و لكن استحالة نجاح المستثمر العادي في تحقيق ذلك أشبه باستحالة نمو النقود فوق الأشجار. بل نعتقد على النقيض من هذا أن مجموعة الشركات الضخمة غير ذائعة الصيت ، والتى بالتالى يمكن الحصول عليها بمضاعف أرباح   معقول يمكنها أن تتيح مجالاً للاختيار السليم ، و الذي قد لا يبدو مثيراً لاهتمام العامة . ولسوف نتناول هذه الفكرة بالتفصيل في فصل إختيار المحافظ الاستثمارية.
تغير المحافظ الاستثمارية :
لقد أصبح أمراً معتاداً أن يتم فحص قوائم السندات فحصاً دورياً لمعرفة ما إذا كان بالإمكان تحسين جودتها . ويعتبر هذا بالطبع جزءاً من الخدمات التى يقدمها مستشاراً والاستثمار لعملائهم. كما أن لدى جميع شركات السمسرة استعداداً لتقديم اقتراحاتها بدون تقاضى رسوم خاصة ، و لكن في مقابل حصولها على عمولة عن التعاملات التى تقدم بشأنها تلك الاقتراحات . أما بعض شركات السمسرة الأخرى، فتتقاضى مقابلاً لخدماتها الاستثمارية .
من المفترض أن يحصل المستثمر المتحفظ ، ولو مرة واحدة كل عام ، على نفس نوع المشورة فيما يتعلق بتغيير حافظته، مثلما سعى للحصول عليها، عندما كون حافظته لأول مرة. وحيث أنه يفتقر إلى الخبرة التى يمكنه الاعتماد عليها، عليه إذن إلا يسلم فسه إلا للشركات جيدة السمعة، وإلا سقط فريسة سهلة بين أيدي غير خبيرة و لا متمرسة. و من الضرورى على أية حال ، أن يبين لمستشاره رغبته في الالتزام المطلق بالقواعد الأربع الخاصة بانتقاء الأسهم العادية ، والتى أوردناها في موضع سابق بهذا الفصل . فلو أن حافظته الاستثمارية تم اختيارها بعناية في المقام الأول، لما احتاج إلى تغييرها باستمرارأو إجراء تغيير هائل فيها
توسيط التكلفة
  لقد بذلت بورصة نيويورك جهوداً حثيثة للترويج " لخطة الشراء الشهرية " ، والتى يخصص المستثمر من خلالها نفس المبلغ من المال شهرياً ، ليشترى به سهماً عادياً أو أكثر . ويعد هذا بمثابة تطبيق لنوع خاص من أنواع " الصيغ الاستثمارية القائمة على التقيد بقواعد استثمارية محددة " والمعروفة باسم توسيط التكلفة " . ففى و في التجربة التى مر بها السوق حين اجتاحته موجة من الإرتفاع منذ بداية عام 1949، أسفر هذا الإجراء عن تحقيق نتائج مرضية للغاية ، خاصة أنه وفر الوقاية للممارس ضد تركيز عمليات الشراء في التوقيت الخاطىء.
   لقد قدمت " ليوسيل توملينسون "  في دراستها الشاملة عن خطط الاستثمار القائمة على التقيد بقواعد استثمارية بقواعد استثمارية محددة ، تقييماً لنتائج تطبيق أسلوب توسيط التكلفة على مجموعة من الأسهم التى تشكل مؤشر  " داو جونز "  الصناعى . وقد غطت الاختبارات التى أجرتها الدراسة ثلاث وعشرين فترة شراء ، امتدت كل منها 10 سنوات ، انتهت أولها في عام 1929 وانتهت الأخيرة عام 1952. و لقد أظهر كل اختبار تحقيق ربح أما في نهاية فترة الشراء ، أو في غضون خمس سنوات من بدايتها . وكان متوسط الربح تحقق في نهاية فترات الشراء الثلاث والعشرين هو 21,5% دون احتساب توزيعات الأسهم. و لا داعى للقول أنه في بعض الأحيان كان يحدث هبوط حاد وموؤقت في القيمة السوقية . وقد ختمت السيدة " توملينسون "  دراستها لهذه الصيغة الاستثمارية شديدة البساطة بجملة مذهلة ، حيث قالت : " لم يتوصل أحد إلى الآن لآية صيغة أخرى للاستثمار يمكن الركون إلى نجاحها بثقة هائلة ، بغض النظر عما قد يطرأ على أسعار الأوراق المالية من تغيير مثلما هو الحال مع صيغة توسيط التكلفة "
    وقد يعترض البعض على أن توسيط التكلفة ، و إن بدا منطقياً من حيث المبدأ، إلا أنه يبدو غير واقعى من حيث التطبيق، حيث لا يتوافر سوى لقلة قليلة من الأفراد المقدرة على تخصيص نفس القدر من المال ذاته كل عام ، على مدار عشرين عاماً لاستثمارها في الأسهم العادية . و لكن يبدو لي أن ذاك الاعتراض قد خسر الكثير من وجاهته خلال السنوات الأخيرة . حيث زاد تقبل الأسهم العادية كعنصر لا غنى عنه من مكونات أي برنامج استثمار ادخارى جيد . ولهذا ، لن يمثل الشراء المنهجى والموحد للأسهم العادية مصاعب مالية ونفسية أكثر من المصاعب المرتبطة بالسداد المتصل لسندات التوفير  الأمريكية  أو دفعات التأمين على الحياة. وقد تكون المبالغ الشهرية ضئيلة ، لكنها ستضحى مهمة ومؤثرة بعد عشرين عاماً أو أكثر بالنسبة للمدخر
وضع المستثمر الشخصى
لقد أشرنا بإيجاز في مستهل هذا الفصل إلى وضع المالك الفردى للحافظة الاستثمارية . ودعنا نعاود الحديث عن هذا الأمر ، و لكن على ضوء مناقشتنا للسياسة العامة للحافظة الاستثمارية . و لكن إلى أي مدى يتباين نوع الأوراق المالية التى ينتقيها المستثمر بتباين ظروفه؟ وكأمثلة ملموسة على الظروف المختلفة سنضرب أمثلة لــ  ( 1 )  أرملة خلف لها زوجها 200000 دولاراً لتعول نفسها وأبناءها.  ( 2 )  طبيب ناجح قطع نصف طريق النجاح في مجاله ، وله دخل إضافى يبلغ 100000 دولار، يزداد بمعدل 10000 دولاراً سنوياً.  ( 3 )  وشاب يجنى 200 دولاراً أسبوعياً ويدخر ما قيمته 1000 دولاراً سنوياً  .
بالنسبة للأرملة ، يعد اعتمادها على دخلها لتلبية مطالب الحياة مشكلة عويصة ، و لكن حاجتها من ناحية أخرى للتحفظ فيما تقدم عليه من استثمارات ، لهى أسمى من آية حاجة أخرى. لذلك يعد تقسيم أموالها مناصفة بين السندات  الأمريكية  والأسهم العادية الممتازة يعد حلاً وسطاً يتسق مع تلك الهداف و مع ما حددناه من مواصفات عامة للمستثمر المتحفظ  (  و من الممكن زيادة حصة الأسهم لتصل إلى 75% إذا كان المستثمر في حالة نفسية تسمح له باتخاذ هذا القرار، وكان بوسعه التيقن من أنه لا يشترى بأسعار مبالغ فيها . و مما لاشك فيه أن الوضع لم يكن كذلك في عام 1972 ) .
نحن لا نستبعد أن تكون الرملة مؤهلة لتكون مستثمرة مغامرة ، و في هذه الحالة سوف تكون أهدافها وأساليبها مختلفة. و لكن الشيء الوحيد الذي يتوجب على الأرملة الامتناع عنه هو السعى وراء المضاربة بغية جنى "  المزيد من الدخل "  ونقصد بذلك محاولة جنى الربح أو تحقيق دخل مرتفع بدون توافر الأدوات الضرورية التى تضمن تحقيق النجاح التام . لذلك قد يكون من الأفضل لها سحب 200 دولاراً سنوياً من أصل المبلغ لتلبية مطالب الحياة بدلاً من المخاطرة بخسارة نصف قيمة المبلغ في مضاربات لا تتوافر لها مقومات النجاح .
   و على الرغم من أن الطبيب الذي يحيا في رغد من العيش لا يعانى من أي الضغوط أو الالتزامات الملقاة على كاهل الرملة ، إلا أننا نعتقد أن خياراته لا تختلف كثيراً عن خياراتها. فهل لدية رغبة حقيقية في الاستثمار الجاد؟ فإذا كان يعوزه الحماس أو الإقدام، فمن الأفضل له لعب دور المستثمر المتحفظ. ولهذا لن يختلف تقسيم حافظته الاستثمارية عن حافظة الأرملة التقليدية سالفة الذكر، ولهذا سيلجأ للخيار نفسه من تثبيت حصة الأسهم . أما المدخرات السنوية ، فعلية أن يستثمرها بنفس نسب المبلغ الإجمالي .
    وتتزايد احتمالات إختيار الطبيب العادى للقيام بدور المستثمر المغامر أكثر مما قد تفعل الرملة العادية ، حيث تتزايد فرص تحقيقه للنجاح في مسعاه. إلا أن هناك عقبة تقف في طريقه ، إلا وهى أنه ليس لديه الوقت الكافى لاكتساب المعرفة الاستثمارية وإدارة أمواله . وقد ثبت فشل أهل الطلب في معاملاتهم الاستثمارية ، فثقتهم الكبيرة في ذكائهم ، ورغبتهم القوية في جنى عائد كبير من أموالهم يعمى عيونهم عن حقيقة أن تحقيق ذلك يتطلب اهتماماً كبيراً بالأمر وتطبيق أسلوب محترف في التعامل مع قيم الأوراق المالية.
أخيراً يأتى دور الشاب ، والذي يدخر 1000 دولاراً سنوياً ، ويتوقع أن تزداد مدخراته بالتدريج ، و الذي يجد نفسه أمام الخيار نفسه و إن اختلفت الأسباب. حيث ينبغى عليه أن يخصص بعض مدخراته للسندات من الفئة  " هـ "  . أن التوازن بين السهم والسندات يكون متواضعً لدرجة تجعل محاولة دراسة أحد فروع العلم الصعبة لتاهيله لكي يصبح مستثمراً مقداماً لا طائل من ورائها . لهذا يعد اللجوء لبرنامجنا القياسى الذي وضعناه للمستثمر المتحفظ، أيسر السياسات وأكثرها منطقية بالنسبة له.
ودعنا لا نغفل هنا دور الطبيعة الإنسانية . غن للمال بريقه في عيون الشباب و إن افتقروا للوسائل اللازمة لجنيه . فهم يريدون أن يكونوا أذكياء ومغامرين في الوقت نفسه عند تخصيص مدخراتهم، على الرغم من أن الدخل الذي سيجنيه من الاستثمار يقل أهمية عن راتبه ، و ما من ضيؤ في ذلك. فهناك ميزة عظيمة تتوافر للرأسمالى الشاب، أن استهل حياته بمحاولة اكتساب المعرفة المالية والخبرة باكراً. فإن أراد أن يكون مستثمراً مقداماً ، فعله التيقن من أنه سيرتكب الأخطاء وسيتعرض لبعض الخسائر . فللشباب قدرة على تحمل هذه العثرات والاستفادة منها . وإننا لنحث من يقدم منهم على الاستثمار في الأوراق المالية إلا يضيع جهوده وماله في المضاربة . وليشرع في دراسة قيمة الأوراق المالية ، وليتحقق من صدق أحكامه على أسعار هذه الأوراق مقارنة بقيمتها بأقل قدر ممكن من المال.
ولهذا سنشير مجدداً إلى المبدأ الذي ذكرناه في مستهل حديثنا، إلا و هو أن نوع الأوراق المالية ومعدل العائد لا يعتمد على الموارد المالية للمستثمر، و إنما يعتمد على ما لديه من معرفة وخبرة ومزاج شخصى.
ملحوظة عن مفهوم المخاطرة
جرت العادة على اعتبار السندات الجيدة أقل خطورة من الأسهم الممتازة، و على اعتبار الأسهم الأخيرة بدورها أدنى مخاطرة من السهم العادية . مما أدى إلى اصدار أحكام مسبقة لم تكن في صالح الأسهم العادية ، إذ أنها ليست  " آمنة "  ، و هو ما اظهره الاستطلاع الذي أجراه مجلس بنك الاحتياطى الفيدرالى في عام 1948. وإنه لمن الواجب علينا أن نشير إلى أن لكلمتى " مخاطرة "  و " آمنة " معنيين مختلفين بالنسبة للأوراق المالية ، و هو ما يؤدى لحدوث الخلط في التفكير.
فمما لا شك فيه أن السندات تضحى خطيرة أن لم تأت بعوائد أو لم تأت بالدفعات المالية للمبلغ الأصلى .وكذلك الأمر نفسه مع الأسهم الممتازة، بل والأسهم العاجية . فإذا تم شراء السهم وكان متوقعاً منه توليد ربح مستمر، وهبط هذا الربح أو توقف ، عندئذ تصير الأسهم استثماراً خطيراً . كما أن الاستثمار يصير محفوفاً بالمخاطر إذا زادت احتمالات قيام مالكه ببيعه بسعر يقل عن سعر تكلفته.
ومع هذا ، فإن فكرة المخاطرة تمتد لتشمل أي هبوط محتمل في سعر ورقة مالية، حتى لو كان هذا الهبوط دورياً بطبيعته ومؤقتاً ، وحتى لو لم يُضطر المستثمر لبيعها في هذا التوقيت. أن جميع الأوراق المالية عرضه لهذه التقلبات – فيما عدا سندات التوفير الأمريكية- وخصوصاً تلك التى تمثل استثمارات طويلة الأجل. ولكننا لا نعتقد أن هناك مخاطرة بالمعنى الحقيقي للمصطلح. أن الشخص الذي له رهن عقاري بأحد المبانى يتعرض لخسارة فادحة إذا ما اضُطر لبيعه في وقت غير مناسب. لكننا لا نضع هذا العنصر في الحسبات عند الحكم على مدى خطورة أو أمان الرهن العقاري العادي، وغنما المعيار الأوحد الذي ننظر له بعين الاعتبار هو ضمان سداد دفعات الرهن بانتظام. وبنفس الأسلوب يتم قياس مخاطرة النشاط التجاري العادى بناءً على احتمالات خسارة المال، وليس باحتمال ما قد يحدث إذا اضطر صاحبها لبيعها. وسوف نعرض في الفصل الثامن للمبدأ القائل أن المستثمر الحق لا يخسر المال لمجرد أن السعر السوقى لما في حوزته من استثمارات قد تدهور . لذلك ، فغن حقيقة أن تدهور الأسعار قد يحدث بالفعل لا تعنى أن المستثمر قد صار عرضة لتكبد خسئر فعلية . فإذا حققت مجموعة من استثمارات الأسهم العادية التى تم اختيارها بعناية عائداً مرضياً يتم قياسه من خلال عدد مناسب من السنين عندئذ يصبح هذا الاستثمار الجماعى " آمناً " و لا ينفى هذا أن تكون قيمته السوقية عرضة للتقلبات ، و لا أن يسود لبرهة احتمال بيعها بسعر أقل من سعر التكلفة فإن كان ذلك يجعل الاستثمار " مخوفاً بالمخاطر "  ، عندئذ يجب أن ندعوه بالاستثمار الآمن والخطير في أن واحد. ويمكن تلافى هذا الخلط ، إذا تم تطبيق مفهوم المخاطرة على خسارة القيمة وحدها ، التى تنجم أما من البيع الفعلى للورقة المالية ، أو من تدهور مركز الشركة ، أو من المبالغة في سعر الورقة المالية بالمقارنة بقيمتها الحقيقية .
إن العديد من الأسهم العادية تنطوى على مخاطرة حدوث مثل هذا التدهور. لكننا نرى أن الاستثمار الجماعى في الأسهم العادية الذي تم اختياره بعناية فائقة يجنب صاحبه التعرض لخسائر فادحة من هذا النوع ، لهذا لا ينبغى أن ننعتها بالاستثمارات التى تنطوى على المخاطرة لمجرد توافر عنصر تقلب الأسعار فيها. لكن هذه المخاطرة تضحى حقيقة واقعة إذا ما تمت المبالغة في تقدير سعر هذه الأسهم، حتى و إن تلا ذلك هبوط حاد في أسعار السوق يستمر لعدة سنوات.
ملاحظة على فئة الشركات الكبرى
والبارزة التى يتسم تمويلها بالتحفظ
لقد سبق وأشرنا إلى هذه العبارة المستخدمة في العنوان في بداية هذا الفصل لنصف من خلالها فئة الأسهم العادية التى يجب أن تقتصر عليها حافظة المستثمر المتحفظ، شريطة أن تكون قد حققت توزيعات أرباح متصلة لعدة سنوات. و لكن المعيار القائم على الصفات دائماً ما يكتنفه الغموض، فأين هى الحدود الفاصلة بالنسبة للحجم والمكانة البارزة والهيكل المالى الذي يغلب عليه طابع التحفظ؟ وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة يمكننا أن نقترح معياراً محدداً – و إن كان اعتباطياً نوعاً ما – إلا أنه مقبول و لا يمثل تجاوزاً . و لا يتصف تمويل شركة صناعية بالتحفظ ما لم تمثل الأسهم العادية  (  بقيمتها الدفترية  )  ، نصف رأس مالها على الأقل ، مع احتساب الديون المصرفية كافة. وتتدنى هذه النسبة إلى 30% أن كانت الشركة تعمل في مجال السكك الحديدية أو المرافق العامة
أما كلمتا " شهيرة " و " كبرى "  ، فتحملان إشارة لضخامة الأعمال مقرونة بالمركز البارز في الصناعة. وهى الشركات التى يطلق على اسهمها اسم " أسهم  رئيسية "  . أما ما سواها من أسهم  عادية ، فيطلق عليها " أسهم  ثانوية "  ، باستثناء الأسهم متنامية القيمة التى تحتل فئة منفصلة وضعها فيها الذين يشترونها على أنها كذلك. ولنكون واقعييين، دعونا نشر إلى أنه لكي يطلق على شركة لفظ شركة كبرى ينبغى أن تصل قيمة أصولها إلى 50 مليون دولاراً أو أن يصل حجم أعمالها إلى 50 مليون دولار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق