الأحد، 3 فبراير 2013

نظرية التنويع



نظرية التنويع

هناك علاقة منطقية وثيقة بين مفهوم هامش الأمان ومبدأ التنويع فكل منهما يرتبط بالآخر . فحتى حين يكون هامش الأمان في صالح المستثمر فإن الورقة المالية الفردية قد تسوء نتائجها . فهامش الأمان يضمن له فرصة أفضل لتحقيق الربح عن تكبد الخسارة – و هذا لا يعني أن الخسارة مستحيلة . و لكن مع زيادة عدد تلك الالتزامات يصبح من المؤكد أن مجموع الأرباح  سوف يفوق مجموع الخسائر . و هذا هو الأساس البسيط الذي يقوم عليه نشاط اكتتاب التأمين .
إن التنويع يعد عقيدة راسخة في فكر الاســتثمار المتحفظ و من خلال تقبل هذا المفهوم بصورة شاملة , يظهر المستثمرون تقبلهم لمبدأ هامش الأمان الذي يصحبه مفهوم التنويع .

معيار الاســتثمار مقابل المضاربة

طالما أنه لا يوجد تعريف محدد للاســتثمار بصفة عامة , فإن المؤسسات لها الحق في تعريفه كيفما شاءت . أن العديد منها ينفي وجود أي اختلاف مفيد أو يعتمد عليه بين مفاهيم الاســتثمار والمضاربة . ونحن نعتقد أن هذا الشك ضار و لا داعي له . بل يلحق الأذى بالأفراد لأنه يشجع نزوعهم نحو الإثارة والمخاطرة التي تكمن في المضاربة بسوق الأسهم . ونحن نقترح أن يتم اسـتخدام هامش الأمان كميزة وكمعيار للتميز بين عملية الاستثمار وعملية المضاربة .
ومن المحتمل أن غالبية المضاربين يظنون أن الظروف مهيئة لصالحهم عندما يجربون حظهم , لهذا قد يدعون أنهم اعتمدوا على وجود هامش أمان فيما اتبعوه من خطوات . فكل واحد منهم يشعر بأنالوقت مناسب تماماً لعملية الشراء التى قام بها , أو أن قدراته و مهاراته تفوق من حوله , أو أن مستشاره أو النظام الذي يتبعه جدير بالثقة . إنهم يعتمدون على أحكامهم غير الموضوعية التى لا يدعمها أي دليل إيجابى أو أي منطق . و نحن نشك كثيراً في أن أي شخص يغامر بماله لاعتقاده بأنالسوق سوف يتجه نحو الصعود أو نحو الهبوط لا يمكن أن نقول عنه أنه تتوافر له الحماية بهامش أمان بأى شكل من الأشكال .
وعلى النقيض من ذلك , فإن مفهوم المستثمر لهامش الأمان – كما أوضحنا في بداية هذا الفصل – يعتمد على منطق حسابى محدد يستقى منه البيانات الإحصائية . و في اعتقادنا أن هذا المنطق تدعمه التجربة الاستثمارية العملية .
ولا يوجد ما يضمن أن هذا الأسلوب الكمى الأساسى سوف يواصل تحقيق نتائج إيجابية في ظل ظروف المستقبل المجهولة , و لكن لا داعى للشعور بالتشاؤم أيضاً حيال هذا الأسلوب .
ولذلك , الخلاصة هى أننا نعتقد أنه لكي يكون هناك استثمار حقيقي ينبغي أن يتوافر هامش أمان حقيقي أيضا ؛ لكي يكون هناك ذلك الهامش الحقيقي , لابد أن تدعمه الأرقام والمنطق المقنع والتجربة الفعلية .

توسيع مفهوم الاستثمار

استكمالا لمناقشتنا لمبدأ هامش الأمان لابد و إن نشير إلى اختلاف آخر بين الاستثمارات التقليدية وغير التقليدية . فالاستثمارات التقليدية تتناسب مع الحافظة المالية التقليدية . وأسفل هذا العنوان تندرج دائما إصدارات الحكومة  الأمريكية  والأسهم العادية الممتازة التي تدفع التوزيعات . و لقد أضفنا السندات التي تصدرها الولايات وسندات البلديات لمن سوف يستفيد من سماتها المتمثلة في تمتعها بالإعفاء الضريبي – و من بين تلك الإصدارات أيضا سندات الشركات الممتازة , و ذلك عندما يتم شراؤها حين تدر عائدا يزيد على عائد سندات الادخار  الأمريكية  .
أما الاستثمارات الغير تقليدية فهي تلك الاستثمارات التي تناسب المستثمر الجرئ , وهي استثمارات تغطي مجالا واسعا , وأكثر الفئات اتساعا هي فئة أسهم  الشركات العادية التي تم تقويمها بأقل من قيمتها , والتي نوصي بشرائها عندما تكون متاحة بثلثي قيمتها المشار إليها أو أقل و إلى جانب هذه الأسهم هناك عادة مجال واسع للاختيار بين السندات متوسطة التصنيف والأسهم الممتازة عندما تباع بأسعار رخيصة أو عندما يتم الحصول عليها بخصم كبير من قيمتها المعلنة . و في تلك الحالات يطلق المستثمر العادي على تلك الأوراق المالية أوراق مضاربة لأنه يعتقد في قرارة نفسه أن افتقارها لتصنيف الجودة الممتاز هو مرادف لعدم جدارتها الاستثمارية .
نحن نعتقد أن السعر المنخفض بدرجة كافية يمكنه تحويل الورقة المالية ذات الجودة المحدودة إلى فرصة استثمارية جيدة – شريطة أن يتمتع المشتري بالمعرفة والخبرة و إن يكون مارس عملية التنويع بشكل كاف لأنه إذا كان السعر منخفضا بدرجة تكفي لتوفير هامش أمان كبير فإنه ينطبق على الورقة المالية معيارنا الخاص بالاستثمار . أن المثال المفضل لدينا الذي يدعم وجهة نظرنا مأخوذ من مجال سندات العقارات . فأثناء فترة العشرينات كانت تلك الإصدارات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات تباع بقيمتها الاسمية وتتم تزكيتها بصورة موسعة كنوع من أنواع الاستثمارات الجيدة . أن قطاعا كبيرا منها يتمتع بهامش قيمة محدود للغاية بالمقارنة بالدين مما يجعلها في حقيقة الأمر خطيرة للغاية بطبيعتها . وأثناء فترة الثلاثينيات تعثرت هذه السندات في الوفاء بفائدتها وانهار سعرها في الحال – و لقد انخفض السعر في بعض الحالات إلى أقل من 10 سنتات على الدولار الواحد . وعند هذه المرحلة كان المستشارون الذين يزكونها كاستثمارات أمنة هم أنفسهم الذين يرفضونها باعتبارها أكثرها مضاربة وغير جاذبة . و لكن في حقيقة الأمر فإن انخفاض السعر بنسبة 90% جعل العديد من تلك الأوراق المالية شديدة الجاذبية وآمنة بدرجة معقولة – لأن قيمتها الحقيقية كانت تبلغ أربعة أو خمسة أمثال تسميتها السعرية في السوق * .






 * أن " جراهام " يشير إلى أنه لا يوجد شىء أسمه سهم جيد أو سهم سيئ , هناك فقط أسهم  رخيصة أو باهظة . وحتى أفضل الشركات تصبح أسهمها مرشحة " للبيع " عندما يرتفع سعر السهم ارتفاعا شديدا ؛ بينما تصبح أسوأ شركة مرشحة للشراء إذا انخفض السهم بدرجة كافية .
# أن نفس الأشخاص الذين اعتبروا أسهم  التكنولوجيا والاتصالات " ورقة رابحة لا محالة " في أواخر عام 1999 وأوائل عام 2000 , عندما وصلت أسعارها عنان السماء , ابتعدوا عنها باعتبارها " شديدة الخطورة " عام 2002 - على الرغم من – على حد قول " جراهام " في وقت سابق – " أن انخفاض السعر إلى ما يقرب من 90% جعل تلك الأوراق المالية شديدة الجاذبية وآمنة بدرجة معقولة " . وبالمثل فإن محللي " وول ستريت " دائما ما يميلون إلى وصف السهم بــ " شراء قوي " عندما يرتفع سعره ويصفونه بأنه " بيع " , بعد انخفاض سعره و هو على نقيض ما قد يوصي به " جراهام " . وكما يوضح " جراهام " في جميع أجزاء الكتاب أن هناك فارقا بين المضاربة – أي الشراء على أمل أن السعر سوف يواصل ارتفاعه – والاستثمار أو الشراء بناء على القيمة الأساسية للمشروع .
إن حقيقة أن شراء تلك السندات قد أسفر في واقع الأمر عما يطلق عليه بصفة عامة " ربح مضاربة ضخم " لم تمنعها من أن تتمتع بصفات استثمارية حقيقية بأرخص الأسعار . أن الربح الناتج عن " عمليات المضاربة " هو مكافأة المشتري لأنه قام باستثمار يدل على دهاء غير عادي . ويمكن أن نطلق عليها أيضا فرصا استثمارية طالما أن التحليل المتأني قد يظهر أن القيمة الإضافية التي تزيد على السعر توفر هامش أمان هائلا . وهكذا فإن نفس فئة الاستثمارات التي تتم في ظل " ظروف مواتية " التي سبق ذكرها بعاليه باعتبارها مصدرا رئيسيا من مصادر الخسارة الفادحة التي يتكبدها المشتري الساذج للأوراق المالية , من المحتمل أن توفر فرصا جيدة لتحقيق الأرباح  للمستثمر الذي يتسم بالذكاء والذي قد يشتريها فيما بعد بسعرها الخاص # .
إن مجال " المواقف الخاصة بأسره قد يندرج أسفل تعريفنا الخاص لعمليات الاستثمار , و ذلك لأن عملية الشراء دائما ما يتم التنبؤ بها بناء , على تحليل دقيق يعد بتحقيق نتائج أكبر من السعر المدفوع . ومرة أخرى ينبغي الإشارة هنا إلى أن هناك عوامل مخاطرة تتوافر في كل حالة فردية , و لكن يتم احتسابها ويتم استيعابها في النتائج الكلية لعملية التنويع .
وللاستفاضة في تلك المناقشة والوصول بها إلى أقصى حد منطقي , فإننا قد نشير إلى أنه يمكن القيام بعملية استثمار دفاعي عن طريق شراء قيم غير ملموسة تمثلها مجموعة من " صكوك خيارات الأسهم العادية " التي تباع بأسعار فعلية منخفضة  (  يهدف هذا المثال لأن يكون بمثابة صدمة *  )  أن قيمة تلك الصكوك بأسرها تقوم على إمكانية إرتفاع الأسهم التي تتعلق بها الصكوك لمستوى يفوق سعر الخيار . و في الوقت الحالي لا تتمتع هذه الصكوك بأي قيمة يمكن ممارستها . و مع ذلك , فطالما أن جميع الاستثمارات تعتمد على توقعات مستقبلية معقولة , فإنه من المناسب النظر إلى تلك الصكوك على ضوء الفرص الحسابية التى تشير إلى أن سوق المضاربة على الصعود في المستقبل سوف تؤدى إلى زيادة هائلة في القيمة و في السعر . أن مثل هذه الدراسة قد تؤدى إلى النتيجة التى مفادها أن هناك الكثير مما يمكن الحصول عليه من مثل هذه العملية عما يمكن خسارته , و أن فرص تحقيق أرباح هائلة تفوق فرص تكبد الخسارة . فإذا كان هذا هو الحال , فهناك هامش أمان حتى في صورة هذه الورقة المالية غير الجذابة . و يستطيع المستثمر المغامر أن يضم إلى استثماراته غير الجذابة عملية صك خيار .
* يستخدم " جراهام " مصطلح " صك خيار السهم العادى " كمرادف لـ " صك " , و هو عبارة عن ورقة مالية تصدرها الشركة مباشرة تمنح حاملها الحق في شراء سهم الشركة بسعر محدد سلفاً . وتكاد خيارات الأسهم تكون قد أبطلت عمل الصكوك نهائياً . يشير " جراهام " إلى أنه كان يعتزم أن يجعل المثال بمثابة صدمة لأنه على أيامه كانت الصكوك تعتبر من أسوأ الأشياء في السوق  (  انظر التعليق على الفصل السادس عشر  )  .
تلخيص النقاط السابقة
إن الاستثمار يعد ذكياً عندما يكون أشبه ما يكون بإدارة مشروع خاص , " و الأمر الذي يثير الدهشة حقاً هو كيف حاول العديد من رجال الأعمال الأكفاء أن يعملوا في " وول ستريت " متجاهلين تماماً المبادئ الراسخة التى أحرزوا من خلالها النجاح في أنشطتهم . و مع ذلك فمن الأفضل اعتبار الورقة المالية , للوهلة الأولى , حصة ملكية أو حقا في مشروع محدد . و إذا اعتزم الشخص تحقيق الأرباح  من شراء ينبغى ادارته طبقاً لمبادئ المشروعات المقبولة إذا ما كان سيكتب له النجاح .
وأول هذه المبادئ و أكثرها وضوحاً هو مبدأ " اعرف ما تفعل – أي اعرف نشاطك " . فالبنسبه للمستثمر يعني ذلك : لا تحاول تحقيق " أرباح " من الأوراق المالية . وكأنها " أرباح من مشروع " – أي عوائد إضافية تزيد علي الفوائد العاديه والدخل الناتج من التوزيعات  – ما لم تكن تعلم الكثير عن قيم الأوراق المالية بقدر ما تحتاج إلي معرفته من معلومات عن قيمة البضاعه التي تقترح تصنيعها أو التعامل فيها .
أما المبدأ الثاني فهو : " لا تدع أي شخص آخر يقوم بإدارة مشروعك ما لم تكن  ( 1 )  تستطيع مراقبة أدائه بعناية فائقة وفهم عميق  ( 2 )  أن يكون لديك مبررات قوية غير عادية لوضع ثقتك في نزاهته وقدراته " . بالنسبة للمستثمر ينبغي أن تحدد هذه القاعده شروط سماحه لشخص آخر باتخاذ قرار ما يجب فعله بماله .
أما المبدأ الثالث فهو : " لا تدخل في أي عملية – سواء تصنيعاً أو تداولاً – ما لم تشر الحسابات الدقيقه إلي أن هناك فرصه جيدة لتحقيق الأرباح  المعقولة . وينبغي عليك بصفة خاصة الابتعاد عن المشروعات التي لن تحقق لك ربحاً جيداً وسوف تكبدك خسائر فادحة " . بما يعني أنه ينبغي علي المستثمر الجرئ إقامة إستثماراته التي تهدف إلي الربح علي الحسابات وليس علي التفاؤل . ويعني هذا لكل مستثمر أنه عندما يقصر عوائده علي رقم منخفض – كما حدث سابقا في السند التقليدي أو الأسهم الممتازة – لابد و إن يطلب دليلا مقنعا بأنه لا يخاطر بخسارة جانب كبير من أصل المبلغ .
أما المبدأ الرابع فهو أكثر إيجابية : " أن تتوافر لديك الشجاعة التي تنبع من معرفتك و خبرتك , فإذا توصلت إلي نتيجة مستقاة من الحقائق , وتعلم جيدا أن حكمك صائب فتصرف طبقا لذلك – حتي و إن تردد الآخرون أو اختلفوا معك في الرأي "  (  أنك لا تكون علي صواب أو علي خطأ لمجرد اختلاف آراء الجميع معك , ولكنك تكون علي صواب فقط لأن بياناتك ومنطقك سليم  )  . وبالمثل , في عالم الأوراق المالية تعد الشجاعة فضيلة سامية , و لكن بعد المعرفة والقدرة علي الحكم علي الأشياء كما أثبتت التجربة .
ولحسن الحظ فبالنسبة للمستثمر التقليدي ليس من الضروري لكي يحرز النجاح أن يتحلي برنامجه بهذه الصفات , شريطة أن يقصر طموحه في حدود قدرته و أنشطته في حدود الإطار الضيق و الآمن للاستثمار المتحفظ التقليدي . أن تحقيق نتائج استثمارية مرضية أسهل مما يتخيل الناس , أما تحقيق نتائج فائقة فهو أصعب من ذلك كثيرا .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق